جدةـ خلال شهر رمضان المبارك، يتوافد المسلمون من كافة أنحاء العالم إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، حيث مناسك العمرة وزيارة مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- وفي الطريق إلى أقدس مدينتين منذ بدء الخليقة ثمة مساجد تجذب الحجاج والمواطنين والمقيمين لزيارتها وأداء الصلاة فيها خلال الشهر الكريم.
أحد هذه المساجد، مسجد الرحمة الواقع في الطرف الشمالي لكورنيش مدينة جدة على ساحل البحر الأحمر غرب المملكة العربية السعودية، حيث المنظر الخلاب والإطلالة الرائعة للمسجد الكائن فوق مياه البحر، والذي يعبر إليه المصلون والزوار عبر ممر ذي جدران منخفضة.
طوال نحو 4 عقود، بات مسجد الرحمة أو ما يعرف بالمسجد العائم، الذي تمازجت فيه عمارة الفنون الإسلامية ما بين الحديث والقديم، من معالم مدينة جدة، حيث تفضل جميع العائلات أداء الصلوات الخمس داخله، كما أنهم يحبون المشي في صحنه للتمتع بنسائم الهواء، فضلا عن الاستمتاع بمنظره الخارجي والداخلي، إذ ينفرد بتصاميم وديكورات داخلية مميزة.
وعند النظر إليه من بعيد، لن يكون التصميم البديع لمسجد الرحمة، هو الوحيد الذي سيخطف أنظارك، بل موقعه الذي يجعل المرء يظن لوهلة أنه يطفو فوق سطح الماء، وقواعده المتجذرة في البحر التي تسمح بمرور الماء والأسماك عبرها، بالإضافة إلى هندسته المعمارية القديمة والمعاصرة الممزوجة بالتراث الإسلامي.
ويستقبل مسجد الرحمة أول مسجد في العالم يشيد على سطح البحر، زواره بسلالم قليلة مريحة تدخلهم مباشرة إلى ساحة المسجد الرخامية، والمزودة بـ23 مظلة تحمي الزائرين من أشعة الشمس أثناء أداء الصلوات، والمحاطة بأسوار تجعلك تشعر كأنك تطل من على باخرة عملاقة، ستبحر بك في أعماق البحر.
قبة فيروزية
صحن المسجد وساحاته الخارجية، تبرز فيها القباب البيضاء المحيطة به، وعددها نحو 52 قبة، فيما تكتسي القبة الرئيسة باللون الأزرق الفاتح، وتشتهر بقواعدها الثماني في منتصف المسجد، المزودة بزجاج يسمح بنفاذ أشعة الشمس التي تعطي منظرا ساحرا وجذابا.
معانقة ضوء الشمس لقبة المسجد الفيروزية الخلابة ومئذنته البيضاء الشامخة على امتداد 21 مترا، مشهد يبعث على الراحة والطمأنينة والهدوء خلال النهار، أما في الليل فتضيء الكشافات الكهربائية لتجعل المئذنة تتوهج كاللؤلؤة في البحر الأحمر.
زوار مسجد الرحمة يستمتعون بساحاته الخارجية، حيث تتحالف جمال مياه البحر الأحمر مع جمال العمارة الإسلامية ليحيل المسجد إلى مقصد للآلاف، يقبلون لمراقبة شروق وغروب الشمس وهم يؤدون فرائضهم، حيث يقضون ساعات طويلة في المكان الذي تلفه المياه من كل اتجاه، وتمنح إطلالته المباشرة على البحر الأحمر جوا لطيفا يبعث على الراحة والاسترخاء، خاصة أن هدوءه وقربه من الماء يبعثان على السكينة.
المسجد الذي تم بناؤه من الرخام الأبيض اللامع، ينفرد بتصاميم وديكورات داخلية مميزة، وهو مزيج رائع للعمارة الحديثة والقديمة والفن الإسلامي، حيث بني بأحدث التقنيات والمعدات والتكنولوجيا وبأنظمة صوت وإضاءة متطورة.
ويثير المسجد من الداخل الإعجاب والدهشة في الوقت نفسه، حيث توجد 8 أعمدة تحمل قبة فيروزية عملاقة علقت في وسطها ثريا غنية بتفاصيل فن الفسيفساء، وفن الإضاءة إضافة إلى الحزام الفيروزي اللون، الذي يزين عنق القبة، فضلا عن 56 نافذة ملونة تسمح بمرور أشعة الشمس إلى داخل المسجد.
رؤية بانورامية
ويظهر سقف المسجد مزخرفا بالنقوش ويضم حلقة زجاج معشق يضيء القاعة الرئيسية، وتحيط بالمحراب المزين بالبلاط المعقد والتصميم الأرابيسك، نافذتان طويلتان من الزجاج الملون.
وينعم المصلون داخل المسجد برؤية بانورامية على البحر الأحمر، يقدمها عدد من النوافذ على المستوى الأرضي، وهو الأمر الذي يزيد الإحساس لدى المصلين بأن المسجد يعوم في البحر، خاصة أوقات المد التي تعانق فيها المياه سطح المسجد.
وتضم زوايا المسجد الداخلية شاشات وضعت بطريقة مبتكرة وفريدة وليست عبثية، تعرض ترجمة فورية لخطب صلاة الجمعة والدروس الدينية والعلمية التي يحضرها زوار المسجد من منطقة شرق آسيا وخاصة إندونيسيا.
وتتزين الحوائط الداخلية والخارجية للمسجد الذي يعد إحدى التحف الفنية للفن الإسلامي والهندسة المعمارية القديمة، بتصميمات وديكورات غاية في الروعة والجمال من الداخل والخارج، فهو مطرز بكتابات لآيات من القرآن الكريم متمثلة في خطوط النسخ والرقعة والديواني، ونقوش بزخرفة الأرابيسك.
يظهر تصميم المسجد العائم في جدة ثاني أكبر مدن المملكة السعودية، على سطح المياه في ضوء النهار وكأنه سفينة تتأرجح مع أمواج البحر، خاصة في ظل لمعان قبته الفيروزية مع أشعة الشمس، وهو التصميم الذي يجعل الزائرين يقضون أوقاتهم في أداء الصلاة والتنزه والاستمتاع بجمال الطبيعة في نفس الوقت.
وبني مسجد الرحمة على مساحة 2400 متر مربع، وبارتفاع 9 أمتار، ويتسع لنحو 2300 مصل، ويحتوي على مصلى نسائي خشبي معلق بمنتصف المسجد في الجانب الخلفي يسع حوالي 500 من النساء.
المحطة الأخيرة
المسجد الذي استغرق بناء قواعده أكثر من 6 أشهر داخل الماء، ومبانيه المتعددة الطرازات حوالي 3 سنوات، يستوعب عددا كبيرا من المصلين في الساحات الخارجية، ويضم أماكن خصصت للوضوء ودورات المياه وقاعات مريحة للعبادة مجهزة بشكل رائع.
ويقصد المسجد الذي بني عام 1985، المعتمرون والحجاج في طريقهم إلى مكة المكرمة، خاصة القادمين من دول شرق آسيا، ليس فقط لأداء الصلوات بل للاستمتاع بمظهره الأخاذ وعمارته الفنية.
وبات المسجد في السنوات الأخيرة أحد أهم المعالم في مدينة جدة، حيث يعتبر بالنسبة للمسلمين من مختلف الجنسيات ومن جميع أنحاء العالم كمكان روحي يمدهم بالروحانيات وتعاليم أصول الدين الإسلامي وعلومه خاصة مسلمي شرق آسيا وأيضا الجالية الإندونيسية التي تعتبر المسجد كنقطة التقاء أو تجمع لهم بعد أداء مناسك الحج والعمرة.